سورة سبأ - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)}.
بَيَّن تعالى أنه الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا نظير له ولا شريك له، بل هو المستقل بالأمر وحده، من غير مشارك ولا منازع ولا معارض، فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: من الآلهة التي عبدت من دونه {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ}، كما قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13].
وقوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} أي: لا يملكون شيئا استقلالا ولا على سبيل الشركة، {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أي: وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور، بل الخلق كلهم فقراء إليه، عبيد لديه.
قال قتادة في قوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}، من عون يعينه بشيء.
وقال: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أي: لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28].
ولهذا ثبت في الصحيحين، من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله-: أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلّهم أن يأتي ربّهم لفصل القضاء، قال: «فأسجد لله فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح علي بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعْطَه واشفع تشفع». الحديث بتمامه.
وقوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ}. وهذا أيضا مقام رفيع في العظمة. وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، سمع أهل السموات كلامه، أرْعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن مسعود ومسروق، وغيرهما.
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم} أي: زال الفزع عنها. قال ابن عباس، وابن عمر وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي، وإبراهيم النَّخَعيّ، والضحاك والحسن، وقتادة في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم} يقول: جُلِّى عن قلوبهم، وقرأ بعض السلف- وجاء مرفوعا-: {حَتَّى إذَا فرغ} بالغين المعجمة، ويرجع إلى الأول.
فإذا كان كذلك يسأل بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم؟ فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا؛ ولهذا قال: {قَالُوا الْحَقّ} أي: أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}.
وقال آخرون: بل معنى قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يعني: المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا: ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم: الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا.
قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}: كشف عنها الغطاء يوم القيامة.
وقال الحسن: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يعني: ما فيها من الشك والتكذيب.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} يعني: ما فيها من الشك، قال: فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم، {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} قال: وهذا في بني آدم، هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار.
وقد اختار ابن جرير القول الأول: أن الضمير عائد على الملائكة. هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، لصحة الأحاديث فيه والآثار، ولنذكر منها طرفا يدل على غيره:
قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في صحيحه: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، سمعت عِكْرِمة، سمعت أبا هُرَيرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمرَ في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوانَ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحقّ، وهو العلي الكبير فيسمعها مُسْتَرق السمع، ومسترق السمع- هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بيده- فَحَرّفها وبَدّد بين أصابعه- فَيسمع الكلمة، فيلقيها إلى مَنْ تحته، ثم يلقيها الآخر إلى مَنْ تحته، حتى يلقيَها على لسان الساحر أو الكاهن، فَربما أدركه الشّهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كَذْبَة، فيقال: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء».
انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه. وقد رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة، به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، أخبرنا الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في نفر من أصحابه- قال عبد الرزاق: «من الأنصار»- فَرُميَ بنجم فاستنار، قال: «ما كنتم تقولون إذا كان مثلُ هذا في الجاهلية؟» قالوا: كنا نقول يُولَد عظيم، أو يموت عظيم- قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكن غُلّظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم- قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا، تبارك وتعالى، إذا قضى أمرا سبح حَمَلةُ العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح هذه الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يَلُونَ حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء؛ حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون».
هكذا رواه الإمام أحمد. وقد أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث صالح بن كَيْسَان، والأوزاعي، ويونس ومَعْقِل بن عبيد الله، أربعتهم عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس عن رجل من الأنصار، به.
ورواه وقال يونس: عن رجال من الأنصار، وكذا رواه النسائي في (التفسير) من حديث الزبيدي، عن الزهري، به.
ورواه الترمذي فيه عن الحُسَين بن حريث؛ عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عُبَيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن رجل من الأنصار، رضي الله عنه، والله أعلم.
حديث آخر: قال ابن أبى حاتم: حدثنا محمد بن عوف وأحمد بن منصور بن سيار الرمادي- والسياق لمحمد بن عوف- قالا حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا الوليد- هو ابن مسلم- عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عبد الله بن أبي زكرياء، عن رجاء بن حيوة، عن النواس بن سَمْعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي، فإذا تكلم أخذت السموات منه رجفة- أو قال: رعدة- شديدة؛ من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول مَنْ يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فيمضي به جبريل على الملائكة، كلما مَرّ بسماء سماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال: الحقّ، وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله من السماء والأرض».
وكذا رواه ابن جرير وابن خُزَيمة، عن زكريا بن أبان المصري، عن نعيم بن حماد، به.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: ليس هذا الحديث بالشام عن الوليد بن مسلم، رحمه الله.
وقد روى ابن أبي حاتم من حديث العَوفي، عن ابن عباس- وعن قتادة: أنهما فسرا هذه الآية بابتداء إيحاء الله سبحانه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى، ولا شك أن هذا أولى ما دخل في هذه الآية.


{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}.
يقول تعالى مقررًا تفرُّدَه بالخلق والرزق، وانفراده بالإلهية أيضا، فكما كانوا يعترفون بأنه لا يرزقهم من السماء والأرض- أي: بما ينزل من المطر وينبت من الزرع- إلا الله، فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره.
وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}: هذا من باب اللف والنشر، أي: واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله؛ ولهذا قال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
قال قتادة: قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين: والله ما نحن وإياكم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد.
وقال عِكْرِمة وزياد بن أبي مريم: معناه: إنا نحن لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين.
وقوله: {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}: معناه التبري منهم، أي: لستم منا ولا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله وإلى توحيده وإفراد العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم بُرآء منا، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 41]، وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [سورة الكافرون].
وقوله: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} أي: يوم القيامة، يجمع بين الخلائق في صعيد واحد، ثم يفتح بيننا بالحق، أي: يحكم بيننا بالعدل، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الروم: 14- 16]؛ ولهذا قال تعالى: {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} أي: الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور.
وقوله: {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} أي: أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أندادا وصيَّرتموها له عدْلا. {كَلا} أي: ليس له نظير ولا نَديد، ولا شريك ولا عديل، ولهذا قال: {بَلْ هُوَ اللَّهُ}: أي: الواحد الأحد الذي لا شريك له {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي: ذو العزة التي قد قهر بها كل شيء، وَغَلَبت كل شيء، الحكيم في أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، تعالى وتقدس.


{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (30)}.
يقول تعالى لعبده ورسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ (2)}: أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين، كقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، {تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]. {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي تبشر مَنْ أطاعك بالجنة، وتنذر مَنْ عصاك بالنار.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}، كقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].
قال محمد بن كعب في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} يعني: إلى الناس عامة.
وقال قتادة في هذه الآية: أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم، فأكرمُهم على الله أطوعهم لله عز وجل.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني، حدثنا حفص بن عمر العَدَني، حدثنا الحكم- يعني: ابن أبان- عن عِكْرِمة قال: سمعت ابن عباس يقول: إن الله فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء. قالوا: يا بن عباس، فيم فضله الله على الأنبياء؟ قال: إن الله قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ}، فأرسله الله إلى الجن والإنس.
وهذا الذي قاله ابن عباس قد ثبت في الصحيحين رَفْعهُ عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة».
وفي الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت إلى الأسود والأحمر»: قال مجاهد. يعني: الجن والإنس.
وقال غيره: يعني: العرب والعجم. والكل صحيح.
ثم قال تعالى مخبرا عن الكفار في استبعادهم قيام الساعة: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، كما قال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} الآية [الشورى: 18].
ثم قال: {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} أي: لكم ميعاد مؤجل معدود محرر، لا يزداد ولا ينتقص، فإذا جاء فلا يؤخر ساعة ولا يقدم، كما قال تعالى: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} [نوح: 4]، وقال {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 104، 105].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7